الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وفي (صحيح البخاري) وأخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن مردويه عن أم العلاء. وكانت بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت لما مات عثمان بن مظعون: رحمة الله تعالى عليك يا أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله تعالى أكرمه؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل بي ولا بكم قالت أم العلاء: فوالله ما أزكي بعده أحدًا». وفي رواية ابن حبان والطبراني عن زيد بن ثابت أنها قالت لما قبض: «طب أبا السائب نفسك إنك في الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك؟ قالت: يا رسول الله عثمان بن مظعون قال: أجل وما رأينا إلا خيرًا والله ما أدري ما يصنع بي». وفي رواية الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس «أنه لما مات قالت امرأته أوامرأة: هنيئًا لك ابن مظعون الجنة فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر مغضب وقال: وما يدريك؟ والله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل الله بي فقالت: يا رسول الله صاحبك وفارسك وأنت أعلم فقال: أرجو له رحمة ربه تعالى وأخاف عليه ذنبه». لكن في هذه الرواية أن ابن عباس قال: وذلك قبل أن ينزل {لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وعن الضحاك المراد لا أدري ما أو مر به ولا ما تؤمرون به في باب التكاليف والشرائع والجهاد ولا في الابتلاء والامتحان. والذي اختاره أن المعنى على نفي الدراية من غير جهة الوحي سواء كانت الدراية تفصيلية أوإجمالية وسواء كان ذلك في الأمور الدنيوية أو الآخروية وأعتقد أنه صلى الله عليه وسلم لم ينتقل من الدنيا حتى أوتي من العلم بالله تعالى وصفاته وشؤنه والعلم بأشيئاء يعد العلم بها كمالًا ما لم يؤته أحد غيره من العالمين. ولا أعتقد فوات كمال بعدم العلم بحوادث دنيوية جزئية كعدم العلم بما يصنع زيد مثلًا في بيته وما يجري عليه في يومه أوغده. ولا أرى حسنًا قول القائل: إنه عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب واستحسن أن يقال بدله: إنه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله تعالى على الغيب أو علمه سبحانه إياه أونحوذلك. وفي الآية رد على من ينسب لبعض الأولياء علم كل شيء من الكليات والجزئيات. وقد سمعت خطيبًا على منبر المسجد الجامع المنسوب للشيخ عبد القادر الكيلأني قدس سره يوم الجمة قال بأعلى صوت: يا باز أنت أعلم بي من نفسي. وقال لي بعض: إني لأعتقد أن الشيخ قدس سرهع يعلم كل شيء مني حتى منابت شعري. ومثل ذلك مما لا ينبغي أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ينسب إلى من سواه؟ فليتق العبد مو لاه. وفيما تقدم من الأخبار في شأن عثمان بن مظعون رد أيضًا على من يقول فيمن دونه في الفضل أو من لم يبشره الصادق بالجنة والكرامة نحو ما قيل فيه.نعم ينبغي الظن الحسن في المؤمنين أحياء وأمواتًا ورجاء الخير لكل منهم فالله تعالى أرحم الراحمين. هذا والظاهر أن {مَا} استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء والجملة بعدها خبر وجملة المبتدأ والخبر معلق عنها الفعل القلبي وهو إما متعد لواحد أواثنين. وجوز أن تكون {مَا} موصولة في محل نصب على المفعولية لفعل الدراية وهو حينئذ متعد لواحد والجملة بعدها صلة. وأن تكون حرفًا مصدريًا فالمصدر مفعول {أَدْرِى} والاستفهامية أقضي لحق مقام التبري عن الدراية. و{لا} لتذكير النفي المنسحب على {مَّا يَفْعَلُ} الخ وتأكيده. ولولا اعتبار الأنسحاب لكان التركيب ما يفعل بي وبكم دون {لا} لأنه ليس محلًا للنفي ولا لزيادة لا ونظير ذلك زيادة {مِنْ} في قوله تعالى: {مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ أَنَّ يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ} [البقرة: 105] لأنسحاب النفي فإنه إذا انتفت ودادة التنزيل انتفى التنزيل. وزيادة الباء في قوله سبحانه: {أَولم يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض ولم يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} [الأحقاف: 33] لأنسحاب النفي. على أن مع ما في حيزها ولولاه ما زيدت الباء في الخبر. وقيل: الأصل ولا ما يفعل بكم فاختصر. وقيل: ولا بكم. وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة {يَفْعَلُ} بالبناء للفاعل وهو ضمير الله عز وجل: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ} أي ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي على معنى قصر أفعاله صلى الله عليه وسلم على اتباع الوحي. والمراد بالفعل ما يشمل القول وغيره.وهذا جواب عن اقتراحهم الاخبار عما لويوح إليه عليه الصلاة والسلام من الغيوب. والخطاب السابق للمشركين.وقيل: عن استعجال المسلمين أن يتخلصوا عن أذية المشركين والخطاب السابق لهم. والأول أوفق لقوله تعالى: {وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ} أنذركم عقاب الله تعالى حسبما يوحى إلى {مُّبِينٌ} بين الإنذار بالمعجزات الباهرة. والحصر إضافي.وقرأ ابن عمير {يُوحَى} على البناء للفاعل.{قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ} أي ما يوحى إلي من القرآن. وقيل: الضمير للرسول. وفيه أن الظاهرة لوكان المعنى عليه كنت {مِنْ عِندِ الله} لا سحرًا ولا مفتري كما تزعمون {وَكَفَرْتُمْ بِهِ} الوأوللحال والجملة حال بتقدير قد على المشهور من الضمير في الخبر وسطت بين أجزاء الشرط اهتمامًا بالتسجيل عليهم بالكفر أوللعطف على {كَانَ} كما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} [فصلت: 52] وكذا الواو في قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسرائيل} إلا أنها تعطفه بماعطف عليه على جملة ما قبله. فالجمل المذكورات بعد الواوات ليست متعاطفة على نسق واحد بل مجموع {شَهِدَ} {قُلْ أَرَءيْتُمْ} معطوف على مجموع {كَانَ} وما معه. مثله في المفردات {هوالأول والآخر والظاهر والباطن} [الحديد: 3] والمعنى أن اجتمع كونه من عند الله تعالى مع كفركم واجتمع شهادة الشاده فإيمانه مع استكباركم عن الآيمان. وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في جواب الشرط وفي مفعولي {أَرَءيْتُمْ} وضمير {بِهِ} عائد على ما عاد عليه اسم كان وهو ما يوحي من القرآن أو الرسول. وعن الشعبي أنه للرسول. و لعله يقول في ضمير {كَانَ} أيضًا كذلك وكذا في ضمير {على مِثْلِهِ} لئلا يلزم التفكيك.وأنت تعلم أن الظاهر رجوع الضمائر كلها للقرآن. وتنوين {شَاهِدٌ} للتفخيم. وكذا وصفه بالجار والمجرور أي وشهد شاهد عظيم الشأن من بني إسرائيل الواقفين على شؤن الله تعالى وأسرار الوحي بما أوتوا من التوراة على مثل القرآن من المعاني المنطوية في التوراة من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك فإنها في الحقيقة عين ما فيه كما يعرب عنه قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الأولين} [الشعراء: 196] على وجه. وكذا قوله سبحانه: {إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى} [الأعلى: 18] والمثلية باعتبا رتأديتها بعبارات أخرى أو على مثل ما ذكر من كونه من عند الله تعالى والمثلية لما ذكر. وقيل: على مثل شهادته أي لنفسه بأنه من عند الله تعالى كأنه لإعجازه يشهد لنفسه بذلك. وقيل مثل كناية عن القرآن نفسه للمبالغة. وعلى تقدير كون الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فسر المثل بموسى عليه السلام.والفاء في قوله تعالى: {فَئَامَنَ} أي بالقرآن للسببية فيكون إيمانه مترتبًا على شهادته له بمطابقته للوحي. ويجوز أن تكون تفصيلية فيكون إيمانه به هو الشهادة له. والمعنى على تقدير أن يراد فآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ظاهر بأدنى التفاوت. وقوله تعالى: {واستكبرتم} أي عن الآيمان معطوف على ما أشرنا إلليه {شَهِدَ شَاهِدٌ} وجوز كونه معطوفًا على {مِن} لأنه قسيمه ويجعل الكل معطوفًا على الشرط. ولا تكرار في {استكبرتم} لأن الاستكبار بعد الشهادة والكفر قبلها. وقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} أي الموسومين بهذا الوصف. استئناف بياني في مقام التعليل للاستكبار عن الآيمان. ووصفهم بالظلم للاشعار بعلة الحكم فتشعر هذه الجملة بأن كفرهم به لضلالهم المسبب عن ظلمهم وهودليل جواب الشرط و لذا حذف ومفعولا {أَرَءيْتُمْ} محذوفان أيضًا لدلالة المعنى عليهما. والتقدير أرأيتم حالكم إن كان كذا فقد ظلمتم ألستم ظالمين. فالمفعول الأول حالكم والثاني ألستم ظالمين. والجواب فقد ظلمتم. وقال ابن عطية: في {أَرَءيْتُمْ} يحتمل أن تكون منبهة فهي لفظ موضوع للسؤال لا تقتضي مفعولا. ويحتمل أن تكون جملة {إِن كَانَ} الخ سادة مسد مفعوليها. وهو خلاف ما قرره محققوالنحاة في ذلك.وقدر الزمخشري الجواب ألستم ظالمين بغير فاء.ورده أبو حيان بأن الجملة الاستفهامية إذا وقعت جوابًا للشرط لزمها الفاء فإن كانت الأداة الهمزة تقدمت على الفاء وإلا تأخرت. و لعله تقدير معنى لا تقدير إعراب. وقدره بعضهم أفتؤمنون لدلالة {فَئَامَنَ} وقدره الحسن فمن أضل منكم لقوله تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هو في شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 52] وقوله سبحانه: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} وقيل: التقدير فمن المحقق منا ومنكم ومن المبطل؟ وقيل: تهلكون. وقيل: هو {قُلْ أَرَءيْتُمْ} أي فقد امن محمد صلى الله عليه وسلم به أو الشاهد واستكبرتم أنتم عن الآيمان. وأكثرها كما ترى.والشاهد عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه عند الجمهور وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وابن سيرين والضحاك وعكرمة في رواية ابن سعد وابن عساكر عنه.وفي (الكشف) في جعله شاهدًا والسورة مكية بحث و لهذا استثنيت هذه الآية. وتحقيقه أنه نزل ما سيكون منزلة الواقع و لهذا عطف {شَهِدَ} وما بعده على قوله تعالى: {كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ} ليعلم أنه مثله في التحقيق فيكون على أسلوب قوله سبحانه: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} [الحجر: 90] أي أنذر قريشًا مثل ما أنزلناه على يهود بني قريظة وقد أنزل عليهم بعد سبع سنين من نزول الآية. ومصب الإلزام في قوله تعالى: {فَئَامَنَ} كأنه قيل: أخبروني إن يؤمن به عالم من بني إسرائيل أي عالم لما تحقق عنده أنه مثل التوراة ألستم تكونون أضل الناس. ففي الدلالة على أنه مثل التوراة يجب الآيمان به شهد ذلك الشاهد أولم يشهد لأن تلك الشهادة يعقبها الآيمان من غير مهلة فلولم يؤمن لم يكن عالمًا بما في التوراة؛ وهذا يصلح جوابًا مستقلًا من غير نظر إلى الأول فافهم. وقول من قال: الشاهد عبد الله على هذا بيان للواقع وأنه كان ممن شهد وامن لا أن المراد بلفظ الآية عبد الله خصوصًا. وعلى الوجهين لابد من تأويل من قول سعد. وقد تقدم في حديث الشيخين وغيرهما وفيه نزل {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} بأن المراد في شأنه الذي سيحدث على الأول أوفيه وفيمن هو على حاله كأنه قيل: هو النازلين فيه لأنه كان من الشاهدين انتهى.وتعقب قوله: إنه نزل ما سيكون منزلة الواقع بأنه لا حاجة إلى ذلك التنزيل على تقدير مكيتها. وكون الشاهد ابن سلام المكان العطف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلًا وحينئذ لا ضير في شهادة الشاهد بعد نزولها. ومع هذا فالظاهر من الأخبار أن النزول كان في المدينة وأنه بعد شهادة ابن سلام أخرج أبويعلى والطبراني والحاكم بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أروني اثني عشر رجلًا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله يحبط الله تعالى عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم رد عليهم عليه الصلاة والسلام فلم يجبه أحد فثلث فلم يجبه أحد فقال: أبيتم فوالله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفى امنتم أوكذبتم ثم انصرف صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلفه فقال: كما أنت يا محمد فأقبل فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم فينا رجلًا أعلم بكتاب الله تعالى ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك قال: فإني أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه في التوراة والأنجيل فقالوا: كذبت ثم ردوا عليه وقالوا شرًا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وابن سلام فأنزل الله تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسرائيل} الآية. وروى حديث شهادته وإيمانه على وجه آخر. ولا يظهر لي الجمع بينه وبين ما ذكر. وهو أيضًا ظاهر في كون النزول بعد الشهادة.وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: جاء ميمون بن يامين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رأس اليهود بالمدينة فأسلم وقال: يا رسول الله ابعث إليهم يعني اليهود فاجعل بينك وبينهم حكمًا من أنفسهم فإنهم سيرضوني فبعث عليه الصلاة والسلام إليهم وأدخله الداخل فأتوه فخاطبوه مليًا فقال لهم: اختاروا رجلًا من أنفسكم يكون حكمًا بيني وبينكم قالوا: فإنا قد رضينا بميمون بن يامين فأخرجه إليهم فقال لهم ميمون: لنشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه على الحق فأبوا أن يصدقوه فأنزل الله تعالى فيه {قُلْ أَرَءيْتُمْ} الآية. وهو ظاهر في مدنية الآية وأن نزولها قبل شهادة الشاهد لكنه ظاهر في أن الشاهد غير عبد الله بن سلام. وكونه كان يسمى بذلك قبل لم أره. ولا يظهر لي وجه التعبير به دون المشهود إن كان. والذي رأيته في الاستيعاب في ترجمة عبد الله ابن سلام بن الحرث الإسرائيلي الأنصاري يكنى أبا يوسف وكان اسمه في الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله والله تعالى أعلم.ومن كذب اليهود وجهلهم بالتاريخ ما يعتقدونه في عبد الله بن أنه صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله تعالى عنها اجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه فعلموا أنه صابح دو لة فأصحبوه عليه السلام سلام وبقي معه مدة فتعلم منه علم الشرائع والأمم السالفة وأفرطوا في الكذب إلى أن نسبوا القرآن المعجز إلى تأليف عبد الله بن سلام وعبد الله هذا مما ليس له إقامة بمكة ولا تردد إليها. ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم إلا في المدينة وأسلم إذ قدمها عليه الصلاة والسلام أوقبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعامين على ما حكاه في (البحر) عن الشعبي. فما أكذب اليهود وأبهتهم لعنهم الله تعالى. وناهيك من طائفة ما ذم في القرآن طائفة مثلها.وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مسروق أن الشاهد هو موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام. وقد تقدم أنه كان يدعي مكية الآية وينكر نزولها في ابن سلام ويقول: إنما كانت خصومة خاصم بها محمد صلى الله عليه وسلم. وكأنه على هذا لا يحتاج إلى القول بأنها نزلت بخصوص شاهد. وأيد عدم إرادة الخصوص بأن {شَاهِدٌ} في الآية نكرة والنكرة في سياق الشرط تعم. وأنا أقول: بكون التنوين في {شَاهِدٌ} للتعظيم وبمدنية الآية ونزولها في ابن سلام. والخطابات فيها مطلقًا لكفار مكة. وربما يظن على بعض الروايات أنها لليهود وليس كذلك. وهم المعنيون أيضًا بالذين كفروا في قوله تعالى: {وَقال الذين كَفَرُواْ} إلى آخِره. وهو حكاية لبعض آخر من أقاويلهم الباطلة في حق القرآن العظيم والمؤمنين به.وفيه تحقيق لاستكبارهم أي وقال كفار مكة: {لِلَّذِينَ ءآمنوا} أي لأجلهم وفي شأنهم فاللام للتعليل كما سمعت في {قال الذين كَفَرُواْ لِلْحَقّ} [الأحقاف: 7].وقيل: هي لام المشافهة والتبليغ والتفتوا في قولهم: {لَو كَانَ} أي ما جاء به صلى الله عليه وسلم من القرآن. وقيل: الآيمان {خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} ولولاه لقالوا: سبقتمونا بالخطاب أولما سمعوا أن جماعة آمنوا لوكان خيرًا ما سبقنا إليه أولئك الذين بلغنا إيمانهم.وتعقب بأن هذا ليس من مواطن الالتفات. وكونهم قصدوا تحقير المؤمنين بالغيبة لا وجه له. وكون المشافهين طائفة من المؤمنين والمخبر عنهم طائفة أخرى خلاف الظاهر. فالأولى كونها للتعليل وقالوا ذلك لما رأوا أن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ضعفاء كعمار. وصهيب وبلال وكانوا يزعمون أن الخير الديني يتبع الخير الدنيوي وأنه لا يتأهل للأول إلا من كان له القدح المعلى من الثاني. و لذا قالوا: {لولا نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وخطؤهم في ذلك مما لا يخفى.وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمة أسلمت قبله يقاله لها زنيرة فكان رضي الله تعالى عنه عنه يضربها على إسلامها وكان كفار قريش يقولون: لوكان خيرًا ما سبقتنا إليه زنيرة فأنزل الله تعالى في شأنها {وَقال الذين كَفَرُواْ} الآية. و لعلهم لم يريدوا زنيرة بخصوصها بل من شابهها أيضًا.
|